لحظة غــــــــــــــــــــــــروب "من نبض الخاطر"

شاهدتُ مشهدَ الغُروبِ ذات مساء..
فاستوقفتني تلكَ اللحظات .. وأدهشني ذلك المشْهد..
فخفقتْ مشَاعري ..واستثارتْ قَريحتي.. وتَحركتْ في نفسي مكامِنَ البوح..وعَصفت بداخِلي رياحُ الخواطرِ والأفكار..
.
.
فاهتزَّ كَياني.. وتدفَّقتْ أَشجانِي.. فلم أَعدْ أُبصرُ إلا مَعانيَ الأدبِ والبيان.. ولمْ أَعد انطقُ إلا بلغةِ الوصفِ والتأَمُل..
.
.
.
فناولني القلمُ مِقْبضَهُ.. وكَشَفَ لي قِرطَاسي عنْ بياضِه..
فأَجريتُ اليَراع .. ودفعتُ عن خواطِري المصْراع..لأُزيحَ عن نفسِي بعضَ نشوتها..
.
.
.
أَنختُ فيها ناقَتي..وأَنزلتُ رحْلي..
فَرشتُ البِساط..وفَككتُ الرِباط..
.
.
لأُسطرَ هذهِ الخَاطرةَ المتواضِعة..

........................................

تحتَ إِحدى السُفوحِ الخَضراء..
تأَملتُ الشَّمسَ وهي تُودعُ المكان وتؤذِنُ بالرَحيل..
تُلملمُ خُيوطَها من أَرجاءِ الكَون.. ولوعةُ الفراقِ تظهرُ على لونها الأَصفر المُحْمَر ..كَخديّ مودعٍ غصَ بعبرةِ الأَسى..
فتتوارى الشمسُ سريعًا حتى لا تَطولَ لحظاتُ الوداعِ المؤلمة..
عندها تَنبعثُ أََشباحُ الليلِ وتلتفُُّ على سماءِ الوجود..
.
إِذا فارقَ الحبيبُ أَرضَ المحب تركهُ يوغلُ في بحور الظَّلام والوَحشة..
.
.
.
.
(( مشهدُ الغُروب))
مشهدٌ لطالما تغنى بهِ الشُعراءُ والأُدباء ..
وتنَاغمتْ فيهِ أَلحانُ العاشقينَ الوُلَهاء..
يُذكّركَ بالنهايةِ ويستثيرُ في نفسكَ مشاعرَ الإفتراق..
فكم من دَمعةٍ انسابت على الخدِ وهي ترقُبُ ذلك المشهد..
وكم من حُزنٍ تململَ وانتفضَ من سُكونهِ حينما يعيشُ صاحبه لحظاتِ المغيب..
فَتشتَعلُ سُرجُ الكآبةِ وتُضئُ باحةَ السُلوانِ والنسيانِ..والصبرِ والتجلُد..
وتهبُ رياحُ الحنينِ والذّكْرى..
وتُداعبُ أَمواجُ الشوقُ شَواطئَ العَاشقينَ والهائِمين..
.
.
وفي الغروبِ يحلوُ الوقوفُ على الأَطلال.. والبكاءُ على الحبيب .. وتذكرُ الماضي..
ويحلو الصمتُ والتأملُ.. بين مراتِعِ الحبيب .. ومنازلِ القوم..
ويفيضُ الذكرى لأَيامِ الوصال..
وأيامِ سلمى وصباحاتِ ليلى.. بين الغَضا وأغصانِ البَان..
وروضةِ الهُيَّام..
فينطقُ اللسانُ بـ(قِفا نَبكي) و (خَليلي عُوجا)..
.
.
.
.

و((مشهدُ الغروب)) مشهدٌ بئيسٌ لطالما أَحزنَ المُشردينَ والآجئين..
وأقلقَ المسَافرينَ السائرينَ..
حينما يلتفُ ظَلامه تلتفُ حولك ملامحَ الخَوفِ والإرتِياب...
يغوصُ بكَ في بحارِ الوحدةِ والسُكون المُوحش..
وتَرتجفُ إذا رأَيت نَفسكَ تَنغمسُ في سِردابِ الظلامِ الحالك..
إلى حيثُ المجهول..وإلى سوادِ الليل العَبوس..
إذا غابَ النورُ استيقظت الهوامُ والكِلاب..
وخفقَت الخفافيش ..وثارت الأَشباح..
..
..
..
((لحظةُ غُروب))
كأني بالشمسِ حين تغربُ تقول للعالم : انظروا إلى لحظاتِ اللذةِ والسَعادة كم هي قصيرة ترحلُ سريعًا ..كرحيلي حينما أَغرقُ بين جِبالِ الذّكرى والحنين..
..
إنَّ أُفولَ الشمسِ درسٌ للأَحياء..وعبرةٌ للمُترفَينَ والنُعمَاء..فيه تقريرٌ وإِمضاءٌ لسنةٍ حتميةٍ من سُننِ الحياة..
بدايةٌ ..ثُم علوٌ ..ثم نهاية..
..
لا مَفر فالكَونُ في تقلبٍ وتحوّل.. والحياةُ في تَغيرٍ وتَبدل..والناسُ في صراعٍ معَ البقاء..ولا بقاءَ إلا لِربِ السماء..
..
فتلكَ الشمسُ على عَظمتها .. وكِبريائها..وعلى حتميةِ نَفعها .. من أولِ ما تُشرقُ وهي في طَريقها إلى الأُفولِ والغياب..
.
.
.

((مشهدُ الغُروب))
تأَملتُ الوَجهَ الجميلَ للحظةِ الغُروب,, فوجدتُه كما لم أَظن ..
ربما يكونُ مَشهدًا مفرحًا وحَسنًا..

فقد يفرحُ به الفَلاحُ والعاملُ الذي قضى يومهُ في العملِ والكد..
فتراهُ يَرقُبُ أُفولَ الشمسِ حتى يستريحَ من عناءِ النَهار ..وتعبِ لُقمةِ العيش..
.
.

ويفرحُ بالمغيبِ العابدُ الذي يتحيّنُ ساعاتِ الخلوةِ والمُناجات..لربِّ البريات..
.
ويفرحُ بالغروبِ العالمُ..لتَحينَ لهُ ساعاتُ الهدوءِ والصَفاء.. ليبحرَ في بحرِ التَفكّر والتّأَمل .
فَيشعِل سراجَ العلم.. وتنسابُ الأَفكارُ على مَهل..
.
.

ويفرحُ بالغروبِ المجرمُ والسَارق.. ليخلو لهُ المكانُ من أَعينِ النُظراء , التي لفّها الرُقود..
فيستهلُّ في إِمضائِه ومكْره..
.
.
.
.
.
غَربتِ الشمسُ ..وانتهى المشْهد..
.
.
أقفلت القلم.. وطويت القراطيس..